فصل: تفسير الآيات (21- 23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (19):

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)}
قوله عز وجل: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} أي: جادلوا في دينه وأمره، والخصم اسم شبيه بالمصدر، فلذلك قال: {اخْتَصَمُوا} بلفظ الجمع كقوله: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} [ص: 21]، واختلفوا في هذين الخصمين:
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، أخبرنا هشيم، أخبرنا أبو هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد قال: سمعت أبا ذر يقسم قسما أن هذه الآية: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة، وشيبة ابني أبي ربيعة، والوليد بن عتبة.
وأخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا حجاج بن منهال، حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي قال أخبرنا أبو مجلز، عن قيس بن عباد، عن علي بن أبي طالب قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، قال قيس: وفيهم نزلت: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قال: هم الذين بارزوا يوم بدر: علي وحمزة، وعبيدة، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة.
قال محمد بن إسحاق خرج- يعني يوم بدر- عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة ودعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة: عوذ ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء، وعبد الله بن رواحة فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار، فقالوا حين انتسبوا: أكفاء كرام، ثم نادى مناديهم: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا عبيدة بن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا علي بن أبي طالب، فلما دنوا قالوا من أنتم؟ فذكروا وقالوا: نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فأما حمزة فلم يمهل أن قتل شيبة، وعلي الوليد، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان كلاهما أثبت صاحبه، فكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا عبيدة إلى أصحابه، وقد قطعت رجله ومخها يسيل، فلما أتوا بعبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألست شهيدا يا رسول الله؟ قال: «بلى»، فقال عبيدة: لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول:
ونسلمه حتى نصرع حوله ** ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وقال ابن عباس وقتادة: نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب: نحن أولى بالله وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله آمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون نبينا وكتابنا وكفرتم به حسدا، فهذه خصومتهم في ربهم.
وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والكلبي: هم المؤمنون والكافرون كلهم من أي ملة كانوا.
وقال بعضهم: جعل الأديان ستة في قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا} [المائدة: 69] الآية، فجعل خمسة للنار وواحدا للجنة، فقوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ينصرف إليهم فالمؤمنون خصم وسائر الخمسة خصم.
وقال عكرمة: هما الجنة والنار اختصمتا كما أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو بكر محمد حسين القطان، أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، قال: حدثنا أبو هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم؟ قال الله عز وجل للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله فيها رجله فتقول قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا». ثم بين الله عز وجل ما للخصمين فقال: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} قال سعيد بن جبير: ثياب من نحاس مذاب، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشد حرا منه وسمي باسم الثياب لأنها تحيط بهم كإحاطة الثياب.
وقال بعضهم: يلبس أهل النار مقطعات من النار، {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} الحميم: هو الماء الحار الذي انتهت حرارته.

.تفسير الآية رقم (20):

{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)}
{يُصْهَرُ بِهِ} أي: يذاب بالحميم، {مَا فِي بُطُونِهِمْ} يقال: صهرت الإلية والشحم بالنار إذا أذبتهما أصهرها صهرا، معناه يذاب بالحميم الذي يصب من فوق رءوسهم حتى يسقط ما في بطونهم من الشحوم والأحشاء، {وَالْجُلُودُ} أي: يشوي حرها جلودهم فتتساط.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن زيد، عن أبي السمح، عن أبي جحيرة واسمه عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر، ثم يعاد كما كان».

.تفسير الآيات (21- 23):

{وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)}
قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} سياط من حديد واحدتها: مقمعة، قال الليث: المقمعة شبه الجزر من الحديد، من قولهم: قمعت رأسه، إذا ضربته ضربا عنيفا، وفي الخبر: «لو وضع مقمع من حديد في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض». {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} أي: كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي يأخذ بأنفاسهم {أُعِيدُوا فِيهَا} أي: ردوا إليها بالمقامع. وفي التفسير: إن جهنم لتجيش بهم فتلقيهم إلى أعلاها فيريدون الخروج منها فتضربهم الزبانية بمقامع من الحديد فيهوون فيها سبعين خريفا. {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} أي: تقول لهم الملائكة: ذوقوا عذاب الحريق، أي: المحرق، مثل الأليم والوجيع.
قال الزجاج: هؤلاء أحد الخصمين. وقال في الآخر، وهم المؤمنون: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} جمع سوار، {وَلُؤْلُؤًا} قرأ أهل المدينة وعاصم {ولؤلؤا} هاهنا وفي سورة الملائكة بالنصب وافق يعقوب هاهنا على معنى ويحلون لؤلؤا، ولأنها مكتوبة في المصاحف بالألف، وقرأ الآخرون بالخفض عطفا على قوله: {من ذهب}، ويترك الهمزة الأولى في كل القرآن أبو جعفر وأبو بكر، واختلفوا في وجه إثبات الألف، فيه، فقال أبو عمرو: أثبتوها كما أثبتوا في: قالوا وكانوا، وقال الكسائي: أثبتوها للهمزة، لأن الهمزة حرف من الحروف {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} أي: يلبسون في الجنة ثياب الإبريسم وهو الذي حرم لبسه في الدنيا على الرجال.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، أخبرنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن داود السراج، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه الله إياه في الآخرة، فإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو».

.تفسير الآيات (24- 25):

{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}
قوله عز وجل: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} قال ابن عباس: هو شهادة أن لا إله إلا الله. وقال ابن زيد: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله. وقال السدي: أي القرآن. وقيل: هو قول أهل الجنة: {الحمد لله الذي صدقنا وعده}. [الزمر:74] {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} إلى دين الله وهو الإسلام، والحميد هو الله المحمود في أفعاله. قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} عطف المستقبل على الماضي، لأن المراد من لفظ المستقبل الماضي، كما قال تعالى في موضع آخر: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله} [النساء: 167]، معناه: إن الذين كفروا فيما تقدم، ويصدون عن سبيل الله في الحال، أي: وهم يصدون. {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي: ويصدون عن المسجد الحرام. {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ} قبلة لصلاتهم ومنسكا ومتعبدا كما قال: {وضع للناس} [آل عمران: 96]. {سَوَاءً} قرأ حفص عن عاصم ويعقوب: {سواء} نصبا بإيقاع الجعل عليه لأن الجعل يتعدى إلى مفعولين. وقيل: معناه مستويا فيه، {الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي} وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وما بعده خبر، وتمام الكلام عند قوله: {للناس} وأراد بالعاكف: المقيم فيه، وبالبادي: الطارئ المنتاب إليه من غيره.
واختلفوا في معنى الآية، فقال قوم: {سواء العاكف فيه والباد} أي: في تعظيم حرمته وقضاء النسك فيه. وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة، وقالوا: المراد منه نفس المسجد الحرام. ومعنى التسوية: هو التسوية في تعظيم الكعبة في فضل الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالبيت.
وقال آخرون: المراد منه جميع الحرم، ومعنى التسوية: أن المقيم والبادي سواء في النزول به، ليس أحدهما أحق بالمنزل يكون فيه من الآخر، غير أنه لا يزعج فيه أحد إذا كان قد سبق إلى منزل، وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد، قالوا: هما سواء في البيوت والمنازل.
وقال عبد الرحمن بن سابط: كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة بأحق بمنزله منهم. وكان عمر بن الخطاب ينهى الناس أن يغلقوا أبوابهم في الموسم، وعلى هذا القول لا يجوز بيع دور مكة وإجارتها، وعلى القول الأول- وهو الأقرب إلى الصواب- يجوز، لأن الله تعالى قال: {الذين أخرجوا من ديارهم} [الحج: 40]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فنسب الدار إليه نسب ملك، واشترى عمر دارا للسجن بمكة بأربعة آلاف درهم، فدل على جواز بيعها. وهذا قول طاوس وعمرو بن دينار، وبه قال الشافعي.
قوله عز وجل: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} أي: في المسجد الحرام بإلحاد بظلم وهو الميل إلى الظلم، الباء في قوله: {بإلحاد} زائدة كقوله: {تنبت بالدهن} [المؤمنون: 20]، ومعناه من يرد فيه إلحادا بظلم، قال الأعشى:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا

أي: رزق عيالنا. وأنكر المبرد أن تكون الباء زائدة وقال: معنى الآية من تكن إرادته فيه بأن يلحد بظلم.
واختلفوا في هذا الإلحاد، فقال مجاهد وقتادة: هو الشرك وعبادة غير الله.
وقال قوم: هو كل شيء كان منهيا عنه من قول أو فعل حتى شتم الخادم.
وقال عطاء: هو دخول الحرم غير محرم، أو ارتكاب شيء من محظورات الحرم، من قتل صيد، أو قطع شجر.
وقال ابن عباس: هو أن تقتل فيه من لا يقتلك، أو تظلم فيه من لا يظلمك، وهذا معنى قول الضحاك.
وعن مجاهد أنه قال: تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات.
وقال حبيب بن أبي ثابت: وهو احتكار الطعام بمكة.
وقال عبد الله بن مسعود في قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} قال: لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه، ما لم يعملها، ولو أن رجلا هم بقتل رجل بمكة وهو بعدن أبين، أو ببلد آخر أذاقه الله من عذاب أليم. وقال السدي: إلا أن يتوب.
وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الآخر، فسئل عن ذلك فقال: كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل كلا والله، وبلى والله.

.تفسير الآيات (26- 27):

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}
قوله عز وجل: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} أي: وطأنا قال ابن عباس: جعلنا. وقيل: بينا قال الزجاج: جعلنا مكان البيت مبوءا لإبراهيم.
وقال مقاتل بن حيان: هيأنا. وإنما ذكرنا مكان البيت لأن الكعبة رفعت إلى السماء زمان الطوفان، ثم لما أمر الله تعالى إبراهيم ببناء البيت لم يدر أين يبني فبعث الله ريحا خجوجا فكنست له ما حول البيت على الأساس.
وقال الكلبي: بعث الله سحابة بقدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها رأس يتكلم يا إبراهيم ابن على قدري فبني عليه. قوله تعالى: {أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} أي: عهدنا إلى إبراهيم وقلنا له لا تشرك بي شيئا، {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} يعني: الذين يطوفون بالبيت، {وَالْقَائِمِينَ} أي: المقيمين، {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} أي: المصلين. {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ} أي: أعلم وناد في الناس، {بِالْحَجِّ} فقال إبراهيم وما يبلغ صوتي؟ فقال: عليك الأذان وعلي البلاغ، فقام إبراهيم على المقام فارتفع المقام حتى صار كأطول الجبال فأدخل أصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا وقال: يا أيها الناس ألا إن ربكم قد بنى بيتا وكتب عليكم الحج إلى البيت فأجيبوا ربكم، فأجابه كل من كان يحج من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات: لبيك اللهم لبيك قال ابن عباس: فأول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجا.
وروي أن إبراهيم صعد أبا قبيس ونادى. وقال ابن عباس عني بالناس في هذه الآية أهل القبلة، وزعم الحسن أن قوله: {وأذن في الناس بالحج} كلام مستأنف وأن المأمور بهذا التأذين محمد صلى الله عليه وسلم أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع.
وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا».
قوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالا} مشاة على أرجلهم جمع راجل، مثل قائم وقيام وصائم وصيام، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي: ركبانا على كل ضامر، والضامر: البعير المهزول. {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي: من كل طريق بعيد، وإنما جمع {يأتين} لمكان كل وإرادة النوق.